في لحظة فارقة غلبها الخوف ولم تغب عنها العزيمة، وقبل أن تزحف قوات النظام البائد إلى قريته الصغيرة «التبني» غرب دير الزور، اتخذ رجل سوري قراراً استثنائياً: أن ينقذ فكره لا جسده، وأن يحمي كتبه من مصير المصادرة أو الحرق.
بحرص وصمت، حفر بيديه حفرة قرب منزله، كما لو كان يدفن قلبه وعقله معاً، وتحت جنح الظلام، بدأ ينقل مكتبته كتاباً تلو الآخر، يلفها بأغطية بلاستيكية وأفرشة، يودّعها مؤقتاً على أمل أن يراها يوماً تعود إلى النور.
لم تكن تلك الكتب مجرد أوراق؛ كانت حصيلة عمر من الشغف بالفلسفة والفكر السياسي والتاريخ والدين، جمعها قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، وفي قريته التي خيّم عليها الصمت الثقيل، تحوّلت الحفرة الصغيرة إلى رمز لمقاومة أخرى: مقاومة بالمعرفة.
وبعد غياب قسري استمر ست سنوات، أعيدت الروح إلى تلك المكتبة في مشهد مؤثر، فقد وثّق مقطع فيديو لحظات استخراج الكتب المدفونة، وسط فرحة غمرت الرجل وعائلته وهم يستخرجون نحو ألفي كتاب نجت من النسيان والبطش، بفضل إصراره على أن تبقى المعرفة حيّة حتى يحين أوانها.